ذروة الخبرة
التعليمية
مترجم:
تخيل
درس صفي قوي لحد أن المتعلمين يتذكرون معظم تفاصيله بعد مضي عشرون عاماً. و عندما
يقوم الطلاب بتذكر الدرس, يصبح واضحاً في أذهانهم. لبعض هؤلاء الطلاب تصبح هذه
التجربة التعليمية الصفية نقطة تحول في مستقبلهم التعليمي ويبنوا على هذا الدرس (
والذي استمر فقط لمدة ساعة ) قرارات مهمة. وتولد لديهم اهتمامات وقيم وتوجهات
جديدة.
قبل
أن يبعد القارئ احتمال حدوث مثل هذا الدرس, ينبغي عليه أن يرجع إلى ذكرياته أثناء
دراسته من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية. قد يكون الامر صعباً في
البداية و لكن بعد ساعة من المحاولة بإمكانه تذكر واحد أو اثنين من المواقف
التعليمية المؤثرة والقوية. بعض هذه المواقف يمكن أن يطلق عليها مصطلح"ذروة
الخبرة التعليمية".
مثل
هذه الخبرات التعليمية تحدث ولكن بمعدلات منخفضة. ولكنها ليست مجرد مواقف عابرة.
دراسة هذه المواقف التعليمية المؤثرة يكشف لنا عن الظروف الرئيسية التي أدت اليها
و كيف يمكن إيجاد مثلها في المستقبل. إن الدراسة و البحث و التحليل في هذا المجال
يساعد المعملين في زيادة إمكانية تكرار وحدوث مثل هذه المواقف القوية المؤثرة.
قام
ماسلو بتلخيص أهم سمات ذروة الخبرات التعليمية المؤثرة في ورقة علمية. ويري ماسلو
أن ذروة الخبرة هي اللحظات النادرة التي
يشعر فيها الفرد بأعلى درجات السعادة والرضا. و يشمل هذا التجارب العاطفية,
والمواقف الروحية ( الدينية) والتجارب الجمالية, واللحظات الابداعية, وبعض أشكال
الالعاب الرياضية, والمواقف الاستشفائية ( العلاجية ). إن تلخيص ماسلو لهذه السمات
بشكل عام لذروة الخبرات التعليمية المؤثرة يجعل من الممكن التعرف عليها عندما
تحدث. لذا ينبغي أن تكون هناك دراسة منظمة لهذه الظواهر.
قمت
بالتعاون مع جون ستام, خلال سنة كاملة, بطرح سؤال على ثمانون طالباً من طلاب
الجامعة كي يصفوا لنا تجاربهم الخاصة حول مواقف تعليمية صفية كانت موثرة جداً في
حياتهم و يستطيعوا تذكرها بقدر كبير من التفاصيل والوضوح. و أشترطنا أن تكون قد
حدثت في داخل الصف الدراسي في أي مرحلة من المراحل التعليمية.
تقربياً
ثلث المشاركون في الاجابة لم يستطيعوا استرجاع مثل هذه المواقف. وبعضهم لم يستطيع
استرجاع أي موقف جدير بالتذكر. البعض الاخر استطاع تذكر معلم أو كتاب ولكن دون
تذكر تفاصيل الموقف.
ثلثين
من الذين أُجريت لهم المقابلة أفادوا بأن لديهم مواقف واضحة جديرة بالتذكر. و قد
قاموا بتذكر تفاصيل المواقف وما دار بين المعلم و الطلاب و العكس و وصفوا لنا
مشاعرهم في ذلك الوقت والموضوع الذي كان يُدرّس. وقد اعتبرنا ذلك مؤشر محتمل
لخبرات تعليمية بلغت الذروة في التأثير.
قد
لا نستطيع أن نجزم تماماً بأن هذه التفاصيل قد وقعت كما سمعناها من الطلبة المشاركين
ولكن الملاحظ أن الطلبة كانوا يتحدثون لنا بثقة رغم أن بعض هذه المواقف قد مر
عليها أكثر من عشر سنوات. قد قمنا بدراسة المواقف التي يكون شارك فيها أكثر من
طالب ووجدنا أن هناك تطابق في الرويات بين الطلاب
. وقد بات واضحاً أن هذه المواقف المشتركة بين طالبين أو
أكثر كانت صادقة لأنها جاءت متطابقة من عدة طلاب يتحدثون عن
موقف واحد مر بهم جميعاً و رغم مقابلة
كلاً على حِده.
عندما
يستطيع طالب أن يسرد لنا موقف تعليمي صفي مر به منذ عدة سنوات و بتفاصيل واضحة ,
فهذا الوصف مؤشر واضح بأن الطالب كان في حالة اندماج شبه تام في التجربة التربوية.
وهذا يتفق مع السمات التي أشار اليها ماسلو.
عند
ذروة الخبرة التعليمية يصف الطالب التجربة من خلال علاقته بها مما يشير أنه كان
منصتاً و منتبهاً لكل التفاصيل المهمة في ذلك الموقف. و يصف لنا ماسلو هذا الموقف
التعليمي بأنه أصبح رمزاً وبقية الأمور
التي حوله تلاشت وأصبحت بلا قيمة مقارنة
بصلب الموقف وما يحتويه من معاني وقيم. وثم يفاجأ الطلاب بإنتهاء الحصة. وأن الوقت مضى بسرعة دون أن يشعر به الطلاب. وقد
كان تعليق العديد من الطلاب بأنهم تفاجئوا بإنتهاء الحصة وأن الوقت مضى بسرعة. وقد
استغرب بعض الطلاب كيف يمكن لحصة أن تكون زاخرة بكل هذه الاحداث.
يصف
الطلاب الموقف على أنه لحظات تتكشف فيها الحقائق, وأنها كانت ذات قيمة عالية ولم
تكن مجرد موقف اعتيادي. ويصف البعض الموقف على أنه موقف في جوهره تجربة جمالية
يتضمن حقائق قيمة للمادة العلمية نفسها أو المواد الاخرى التي ندرسها. وتشير تجربة
الطلاب إلى شعورهم بانفعال عاصفي قوي تلاشت فيه مشاعر القلق و الخوف, و زالت فيه
الحواجز النفسية.تجربة قوية ومؤثرة وملهمة حتى أن بعض الطلاب شعروا بعد إنتهاء
الحصة ببعض التوتر و الانفعال العاطفى الحاد, وأنهم كانوا بحاجة الى بعض الوقت لكي
ينفردوا بأنفسهم للتفكير في ما جاء في الموقف حتى يستيعدوا تدريجياً توازنهم
العاطفي. و البعض ظل متأثراً بالتجربة التربوية لعدة أيام بعد إنتهاءها. و نتيجة
لهذه الخبرة التربوية المؤثرة والقوية تحفز الكثير من الطلاب لبحث الافكار والحقائق
التي جاءت فيه. و دفعتهم للقراءة و الاطلاع أو لتطبيق الافكار في حياتهم.
بعد
دراسة تجارب الطلاب وجدنا أن هناك نوعان من الخبرات التربوية المؤثرة. الاولى تحدث
لفرد كان في وضع نفسي وعاطفي أدى إلى تأثره الفردي بالموقف التربوي و لم يشاركه
الاخرون فيه. وهذا النوع صعب توقعه وتفسيره
أو التحكم فيه. وهي خبرة تعليمية مهمة للفرد بلا شك. ولكن دراستها أقل أهمية من
النوع الثاني الذي سوف نتحدث عنه.
النوع
الثاني من ذروة الخبرات التربوية المؤثرة هي
التي يكون المتأثرون بها مجموعة من الطلاب عند حضورهم نفس الحصة. و أن هناك
شيئ ما في الموقف نفسه تسبب في تأثرهم بشكل قوي. و هذا التأثر القوي أدى إلى
تذكرهم للموقف بوضوح وبالتفصيل رغم مضي عدة سنوات على حدوثه.
وهذا
النوع هو الذي أعتقد أنه يفيد البحوث التربوية و بحوث المناهج و التخطيط لها. و
يساعد في معرفة اعماق العملية التربوية , خاصة في دائرة تأثيرنا ( كارثول, بلوم, و
مازيا, 1964). و قد حاولنا معرفة العوامل المؤثرة في هذا النوع من الخبرات
التعليمية, على أمل أن نتوصل للطرق التي تساعدنا في إيجاد مثل هذه الخبرات
التعليمية في ظل خطة مرسومة.
و
قد قمنا بتحليل تقارير الطلاب وجعلناه أساساً لاختيار أفلام تعليمية ممكن أن تحدث
مثل هذه الخبرات التعليمية, و قد قمنا بدراسة هذه الافلام و دراسة ردود أفعال
الطلاب بعد مشاهدتهم لها. و في ضوء
الدراسة والتحليل لردود الطلاب قد أستطعنا
التعرف على أربعة عناصر و التى يبدو أنها تسببت في هذا التأثر الجماعي. ولكن
يظل الامر بحاجة للمزيد من البحث من أجل التأكد من صحتها.
المعلم.المعلم
ذو الشخصية القوية الجذابة يساهم بشكل كبير في خلق الجو لمثل هذه الخبرات ويظل من
الضروري أن ينظر الطلاب للمعلم على أنه معلم يوصل لهم حقائق جوهرية فريده و في
لحظات عظيمة. و تعتبر نظرة الطلاب للمعلم جوهرية في إحداث التأثير. فإن كانوا
مقتنعيين به كمعلم تأثروا به و إن كان العكس لم يتأثروا.
التباين
والاختلاف.
معظم الخبرات التربوية المؤثرة تتضمن عنصر المفاجئة. يتوقع الطلاب اجراءات معينة
يقوم بها المعلم وفق خبراتهم السابقة و لكن يفاجئم المعلم بإختلاف واضح في اسلوب
الطرح و العرض. فالقدرة على مفاجئة الطلاب تعتبر عنصر ضرورى لحدوث ذروة الخبرة
التعليمية.
المحتوى.
يجب أن تتضمن ذروة الخبرة التعليمية على بعض الحقائق الجوهرية أو بعض الروئ
الجديدة أو طريقة مختلفة للنظر في جانب من جوانب الحياة او لأنفسنا. عندما يدرك الطلاب
أنك تفتح لهم أفاق جديدة وتريهم عالم لم يكونوا يدركوه من قبل. ففي حصة واحدة يحدث
تحول جذري في تفكيرهم مما يؤدي إلى إصغائهم واندماجهم فكرياً وعاطفياً في العملية التعليمية فترسخ الحقائق. وتبقى فى
ذاكرتهم تفاصيل الموقف رغم مضى عدة سنوات
عليه.
الحاجة
للمزيد من الاطلاع. يشكل ذروة الخبرة التعليمية حافزاً
يدفع الطلاب لمزيد من التفكير والبحث ويظل الموقف ليس مكتملاً. فرغم قوة تأثرهم
بالدرس تظل هناك أسئلة في أذهانهم تدفعهم لمزيد من الفهم والدراسة. فالدرس لم ينتهي
رغم إنتهاء الحصة ويظل أثره ممتداً ومستمراً لفترة من الزمن قد يستمر لسنوات
قادمة.
ونظراً
لقلة مثل هذه الخبرات التعليمية المؤثرة يعبر الطلاب عن إحباطهم وغضبهم في تقاريرهم.
من الثامنين طالباً الذين شاركوا في الدراسة ستون فقط مروا بخبرات تعليمية قوية و
مؤثرة و لكنها قليلة جداً. فالثمانون طالباً مروا مجتمعين ب1,200 سنة من الحضور
المدرسي ومليون ساعة صفية. كانت هناك فقط ستون ساعة صفية قوة ومؤثرة. وهذا شيء محزن ومؤسف مقابل كل هذه
السنوات العديدة من الدراسة. لذلك إذا أستطعنا أن نفهم طبيعة هذه الخبرات التعليمية
المؤثرة بامكاننا أن نجد طرق لمساعدة الطلاب ليحصلوا على أكثر من موقف قوي ومؤثر في حياتهم الدراسية.
فابمكان
المعلمين التخطيط لخلق مواقف مؤثرة خلال الفصل الدراسي. فعند بداية الفصل الدراسي
وعند بداية وحده دراسية جديدة أو عند نهاية الوحده أو نهاية الفصل الدراسي تكون
لمثل هذه الخبرات التعليمية القوية الاثر الواضح على رفع
مستوى تحصيل الطلاب ويمكن لها أن تلعب دوراً جوهرياً في تحسين العملية
التعليمية.
والمعلم
الماهر هو الذي يبحث في العالم المحيط به عن المكونات الضرورية التي تساعده في خلق
مثل هذه المواقف. فالتلفزيون والأفلام ممكن أن تساعد في خلق مثل هذه المواقف خاصة
اذا اعدة واستخدمت بشكل جيد ومنظم. كذلك الرحلات الميدانية والأحداث المعاصرة أو
التجارب المعملية يمكن لها أن تساهم وبشكل كبير اذا وظفت بشكل جيد. والبحث في وعن
هذه الأمور يجعل عملية التدريس عملية مثيرة وذات عائد معنوي كبير حيث يشعر المعلم
بأنه يؤدي رسالة تعليمية عظيمة يمتد أثرها لسنوات وسنوات. وتمثل هذه الخبرات
للطلاب مصدر رئيسي للحماس و توليد الطاقة للتعلم.
ترجمة
/سامر عبد الكريم فطاني. من كتاب تربوي. تأليف بنجرمن س. بلوم. عنوان الكتاب : (ALL OUR CHILDREN LEARNING).
طبع
عام 1981.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق