معلمي الأول والدتي رحمها الله



بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:(( وقل ربي أرحمهما كما ربياني صغيرة))
 الصلاة والسلام على أشراف الأنبياء والمرسلين. لقد خصصت هذه الصفحة لوالدتي وأستاذي الأول الدكتورة ابتسام محمد صالح فطاني ( رحمها الله ).   فقد درّست بجامعة أم القرى قرابة 30 عاما.  ,وهي تحتفظ بأوراقها ومدوناتها وتأملاتها أثناء التدريس. وقد أبعدها المرض عن أداء  رسالتها في التدريس ( أسال الله ين يتغمدها برحمته )ومنعها من القراءة والحوار كما في السابق. فأحببت أن أنشر أوراقها ومدوناتها وتأملاتها وتلخيصاتها كي تحث العاملين في مجال التربية والتعليم من المعلمين والمعلمات على نشر أرائهم و مدوناتهم الخاصة بالتربية والتعليم في مواقعهم الإلكترونية حتى نتواصل مع بعضنا ومع أبناءنا لكي نوجد  حوارا حضاريا إيجابيا بين الأجيال.
فهي التي عرفتني  وأنا مازلت في مرحلة المتوسطة والثانوية بكثير من العلماء والمصلحين والكتّاب والمفكرين من عالمنا الاسلامى ومن حول العالم: أمثال الشيخ محمد بن عبد الوهاب محمد الغزالي مالك بن نبي و جودت سعيد ،   جون دوي ، بنجرمن بلوم وغيرهم من خلال حواراتها ومناقشاتها ومكتبتها الزاخرة بالكتب التربوية القيّمة. لقد علمتني أن أقرا وأفكر فيما أقرأ. أن لا أنغلق على فكر أو تيار أو مدرسة في التفكير واحدة بل أن أحاول أن أتعلم من الجميع وأن أحترم الجميع. وما زالت تعلمني الكثير. ففي أوراقها الكثير من المواضيع التربوية والثقافية والدينية التي أدعو الله أن ينفعني بها. إنها كنوز. لأنها كتبتها وعلمتها ودرستها وحافظت عليها حتى يأتي اليوم الذي أتعلم منها.
 والدي الحبيب قد تعلمت منه وما زلت أتعلم منه أمد الله في عمره . علمني أن احترام الآخرين من احترام النفس. وأن لا أكثر من المزاح وأن الصمت أدب يجب ممارسته. علمني كيف أن الحب يقتضي أن يكون سلوكا قبل أن يكون كلاما. علمني أن السعادة هي أن تسعد من حولك أن تشعرهم بالحب والاهتمام.


لحظات الوادع الأخيرة
الخميس 1 رمضان 1428هـ - الساعة الثانية عشرة ظهرا
رحمة الله وسعت كل شيء. فقد عانت أمي من المرض قرابة العشر سنوات فقد قربها المرض من الله كثيرا وقد قربنا من أمي كثيرا وفي الأيام الأخيرة قبيل وفات والدتي كان المولى عز وجل يهيئنا للحظة الوداع بشكل تدريجي ويهيئ والدتي كذلك. وفي يوم الجمعة الموافق الخامس والعشرون من شهر شعبان 1428هـ وبعد صلاة العصر ذهبنا بالإسعاف إلى مستشفى الحرس الوطني قسم الطوارئ لأن والدتي لم تعد تأكل وفقدت شهيتها في الطعام وتعاني من انخفاض واضح في ضغط الدم وضعف عام وبعد الفحوصات والوقوف على وضعها الصحي أخبرنا الأطباء أن لحظة الوداع قد أوشكت وأن الوالدة تحتضر. وأنه ليس أمامنا الآن غير الدعاء لها. لقد كانت تسمعنا كان في الغرفة أنا وأبي و أخي الأكبر وأختي و خالي وخالاتي وعمتي دعونا لها وقرأنا سورة يس وتشاهدت بإصبعها  عدة مرات ثم جمعت كل قواها للمرة الأخيرة  ورفعت يديها للسماء رغم مرضها الشديد وقالت يا رب يا رب . ساعدناها على بقاء يديها مرفوعتان إلى السماء كانت تدعو بقلبها نظرا لصعوبة الكلام. فمجرد الكلام يرهقها ويؤلمها. وبعد صلاة العشاء ونحن بجانبها نقبل رأسها ويديها ورجليها وندعو لها بدأت شاشة النبضات ترسل إشارات عن انخفاض في دقات القلب 90 -70- 50- 30- 20 - عندها أخرجت يدها من تحت الغطاء ونظرنا إليها بان الزراق على أطراف الأصابع عندها أدركنا أن موعد الرحيل قد اقترب وأن الملائكة كانت حاضرة وإصبع السبابة في وضع التشهد وقد كانت تقول لي في أخير أيامها  يا ولدي إني أصلي وأدعو لكم بقلبي فما عدت أقدر على الكلام. لقد كانت عينا أمي مفتوحتان أغمضت عيناها للمرة الأخيرة ولم تفتحها وشاشة دقات القلب أشعرتنا بقرب  وقوف القلب الكبير القلب الطيب عن النبض. لم تمضي دقيقتان بعدها. لقد كان الله بنا رحيما فقد كنا معها لحظة بلحظة لم يرد الله لها أن ترحل أو أن نرحل عنها دون أن نودعها جميعا وأن ننتظر معها في صالة المغادرة ( غرفة الطوارئ) وقد شعرنا أننا كنا معها في اللحظات الأخيرة (رغم سماع صوت المنادي عن الإعلان الأخير للرحيل رغم ذلك) سمح لنا أرحم الراحمين أن نبقى بجانبها جميعا. ففي أخر دقيقتين اقترب والدي من أذن أمي وهمس في أُذنها الشهادة ودعا لها بالمغفرة والرحمة وأننا كلنا بجانبها وأننا سوف نلتقي مرة ثانية بها إنشاء الله في الجنة وردد إنا لله وإنا إليه لراجعون. وقرء في أذنها قول الله تعالى(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وأدخلي جنتي). لقد كانت تلك أخر الكلمات التي سمعتها أمي. بعدها مباشرة توقف القلب عن النبض وأسلمت الروح لبارئها. وانتهت رحلتها في هذه الدنيا بعد عمر حافل في التربية والتعليم والعمل التطوعي والخيري والذكريات الجميلة والمواقف النبيلة الإنسانية الحانية. أحمد الله على أن منّ علينا بنعمة الأم وأنه حفظها لنا حتى رأت أحفادها وحتى أكملت رسالتها في الحياة في خدمة دينها وبلدها. رغم الحزن على فراقها ولكني سعيد وراضي لقضاء الله وقدره للطفه ورحمته بها وبنا. أحمدك يا الله وأشكر فضلك وكما كانت أمي دوما تردد يا صاحب اللطف الخفي بك أستعين وأكتفي. اللهم أرحمها وأغفر لها وجازيها عنا كل خير ولا تحرمنا أجرها ولا تفتنا بعدها

هناك تعليقان (2):

  1. رحم الله والدتك ووالدينا جميعا , لم استطيع الا ان اقراء وادعوا لها بالمغفرة
    استثمرت في شاب في المرحلة المتوسطة , واليوم نحن من الشاهدين على نجاح الاستثمار .
    دمت موفقاً مسدداَ

    ردحذف
    الردود
    1. اشكرك اخي عامر على زيارتك للمدونة.وعلى مشاركتك. رحم الله امهاتنا وابائنا. وادعو الله أن يوفقنا ويعيننا جميعا على حمل الأمانة.

      حذف